لو رجعنا إلى الوراء قليلاً فى زمن وزير الصحة د. حاتم الجبلى الذى استصدر أمراً من مجلس الوزراء بإعدام الخنازير فى فورة الحماس والفزع والهلع من الإنفلونزا التى حملت اسم هذه الضحايا فى مجزرة حيوانية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، نتذكر معاً سيل المقالات الذى استغل هذه الحادثة لشن حملة على هذا الحيوان الغلبان الذى قدم للبشرية خدمات جليلة وقاد تلك الحملة د. زغلول النجار وحواريوه مطعمين تلك الحملة بكلام عن الإعجاز العلمى وحقارة الخنزير الذى ينقل الفيروسات ومعها يزرع إحساس عدم الغيرة والبرود فى أجساد الرجال!! ومع شتيمة وسباب الخنازير وهستيريا الفرحة المصاحبة لإعدامها الجماعى كان تمجيد الجمل الذى لا يأتيه الفيروس من بين سنامه ولا من أمامه ولا من خلفه، والآن لا أعرف موقف هؤلاء وهم يستمعون إلى الجدل الدائر حول دور الجمل فى نقل فيروس كورونا، والسؤال: هل سيعدم السعوديون كل إبل الجزيرة العربية للوقاية من فيروس الكورونا اقتداء بالمصريين وتطبيقاً لنصائح د. زغلول؟! ماذا سيكون الموقف بعد تصريح الدكتور إيان ليبكين، المعروف دولياً فى مجال التحقيقات بالأوبئة ومدير مركز الالتهابات والمناعة فى جامعة كولومبيا: «الفيروس الذى تفحصناه لدى الإنسان متطابق بشكل كامل مع الفيروس الموجود لدى الجمال». ووجد ليبكين وفريقه أن فيروس كورونا يتركز لدى صغار الجمال وليس فقط لدى الجمال البالغة، وبالتحديد فى منطقة الأنف، حيث وجد أن صغار الجمال لديها نسبة تركيز أعلى فى هذه المنطقة مقارنة بالجمال البالغة، وعليه قال ليبكين: «لا تقبّلوا صغار الجمال.. على الأقل ليس بمنطقة الأنف». ومن العلماء الأجانب إلى علماء السعودية أنفسهم ومنهم البروفيسور طارق مدنى، رئيس شعبة الأمراض المُعدية بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز الذى قال إن الأبحاث التى تم إجراؤها خلال الفترة الأخيرة، نجحت فى عزل فيروس كورونا وإثبات علاقة الإبل بنقل حمى كورونا للإنسان، أضاف الدكتور مدنى أن هذا البحث تم إرساله إلى إحدى المجلات العلمية ويتوقع أن يتم نشره قريباً، وأفاد أن «أحد المرضى وعمره 44 عاماً، أُدخل إلى غرفة العناية المركزة فى 3 نوفمبر الماضى، ولم يستجب للعلاج وتوفى بعد 15 يوماً من دخوله، وتم تأكيد إصابته بفيروس كورونا، الذى تمكنت طواقم المختبر من عزله وتحديد التسلسل الجينى لهذ الفيروس، وقد تمكنا برفقة فريق طبى متخصص من عزل هذا الفيروس من واحد من تسعة جمال كان يملكها المريض» وتم كذلك تحديد التسلسل الجينى لهذا الفيروس المعزول من الجمل والذى كان مطابقاً بنسبة 100% للفيروس المعزول من المريض، كما تم اكتشاف أجسام مضادة للفيروس فى كامل قطيع الإبل والبالغ عددها تسعة ثبت أنها ظهرت لديها هذه الأجسام المضادة قبل إصابة مريضنا بالمرض، وعليه «فقد أثبتنا ولأول مرة على مستوى العالم أن الجمل كان مصدر انتقال الفيروس للمريض»، وعن طريقة انتقال الفيروس أوضح الدكتور مدنى: «تدل المعطيات الوبائية المتوافرة حتى الآن على أن الفيروس ينتقل عن طريق المخالطة المباشرة مع المريض المصاب، خصوصاً عن طريق استنشاق الرذاذ المتطاير منه عند كلامه أو سعاله أو عطاسه أو عن طريق لمس أدواته أو الأسطح الملوثة بإفرازاته، وكذلك فإن الفيروس ينتقل للإنسان عن طريق الاحتكاك المباشر مع جمال مريضة بهذا الفيروس، الذى يمكن أن يسبب أعراضاً شبيهة بالأعراض التى يصاب بها الإنسان، كالرشح والحمى، علماً بأن أغلب الحالات المسجلة بالعالم انتقلت بين الناس من شخص إلى آخر، ولم يكن لديها احتكاك مباشر بجمال مريضة». ونصح الباحث السعودى بعدم شرب حليب الإبل قبل غليه، لقتل الجراثيم الأخرى كالحمى المالطية التى تنتشر بشكل كبير فى نجد والحجاز، بسبب شيوع عادة شرب ألبان الإبل دون غلى، رغم أنه بحسب الدكتور مدنى لم يثبت أن شرب حليب الإبل المصابة بفيروس كورنا يمكن أن ينقل المرض. سواء كان الجمل متهماً أم بريئاً فهو حيوان مسكين وكذلك أيضاً الخنزير ولا داعى لدخول حرب عنصرية وافتعال إعجازات علمية وبناء قناعات هشة وواهية بناء عليها، الرفق يا سادة بالحيوان سواء كان جملاً أم خنزيراً، الإعدام ليس الحل.